عندما سمع موسي عليه السلام كلام ربه عز وجل طمع في رؤيته ، فقال (رب أرني أنظر إليك ، قال لن تراني ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني))
وروي عن بن عباس ، قال : لما رأي الله الرحيم بخلفه من حرص موسي علي أن يعطيه سؤله قال : انطلق فانظر الحجر الذي في رأس الجبل فاجلس عليه ، فإني مهبط عليك جندي ، ففعل موسي ، فلما استوي عليه ، عرض الله تعالي عليه جنود سبع سماوات ، فأمر ملائكه سماء الدنيا أن يعرضوا عليه . فمروا بموسيعليه السلام ، ولهم أصوات مرتفعه بالتسبيح والتقليل لحصوات الرعد الشديد ، ثم أمر ملائكته في السماء الثانية أن يعرضوا عليه ففعلوا ، فمروا به علي ألوان شتي ، ذو وجوه وأجنحة ، منهم ألوان الأسد ، رافعي اصواتهم بالتسبيح . ففزع موسي منهم وقال : أي ربي ، إني ندمت علي مسألتي ، رب إهل أنت منجي من مكاثي الذي أنا فيه ، قال له رأس الملائكة : يا موسي : اصبر علي ما سألت ، فقليل من كثير ما رأيت .
ثم أمر ملائكة السماء الثالثة أن اهبطوا فاعترضوا علي موسي فأقبل مالا يحصي عددهم علي ألوان شتي ، ألوانهم كلهب النار ، لهم بالتسبيح والتهليل زجل ((يقال سحاب زجل : أي رعد )).
فأشتد فزع موسي عليه السلام فقال له جبريل : يا بن عمران الصبر حتي تري مالا تصبر عليه.
ثم أوحي الله تعالي إلي ملائكة السماء الرابعة أن اهبطوا إلي موسي بالتسبيح فهبطوا ، ألوانهم كلهب النار وسائر خلقهم كالثلج ، لهم أصوات عالية بالتسبيح والتقديس لا تشبه أصوات الذين مروا به فقال له رأس الملائكة : يا موسي ! اصبر علي ما سألت .
فكذلك أهل كل سماء إلي السماء السابعة ينزلون إليه بالوان مختلفة ، وأبدان مختلفة ،وأقبلت ملائكة يخطف نورهم الأبصار ومعهم حراب ، الحربة كالنخلة الطويلة العظيمة كأنها نار أشد ضوءا من الشمس ، وموسي عليه السلاميبكي رافعا صوته يقول : يا رب اذكرني ولا تنسني أنا عبدك ، ما أظن أن أنجو مما أنا فيه ، إن خرجت احترقت ، وأن مكثت هلكت ، قال له رأس الملائكة : قد أوشكت أن تمليء خوفا وينخلع قلبك ، هذا الذي جلست لتنظر أليه.
قال : ونزل جبريل وميكائيل وإسرافيل ، ومن في سبع سماوات وحملة العرش والكرسي ، وأقبلوا عليه يقولون يا خاطيء ابن الخاطيء ما الذي حملك إلي ها هنا ؟ وكيف اجترأت أن تسأل ربك أن تنظر إليه ؟ وموسي عليه السلام يبكي وقد اصطكت ركبتاه وتخلعت مفاصله ، فلما رأي الله عز وجل ذلك من عبده أراه قائمة عرشه ، فتعلق بها فاطمأن قلبه فقال له أسرافيل . يا موسي ، والله إنا لنحن رؤساء الملائكه لم نرفع أبصارنا نحو العرش منذ خلقنا خوفا وفرقا ((أي الخوف )) فما حملك أيها العبد الضعيف علي هذا ؟ فقال موسي : يا أسرافيل أحببت أن اعرف من عظمة ربي ما عرفت .
وبعد ذلك أوحي الله تبارك وتعالي : إنى متجل للجبل ،فارتعدت السماوات والأرض والجبال والشمس والقمر والنجوم والسحاب والبحار والأنهار والجنة والنار والملائكه ، وفروا جميعهم سجدا ، وموسي ينظر إلي الجبل.
وفي قوله تعالي : (( فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وموسي صعقا )).
وهكذا فقد عرف موسي أنه قد أخطأ حيثما طلب رؤية الله عز وجل وتاب وعاد عندما رأي عجائب قدرات الله.