أحكام تختص بالمرأة في باب الصيام
*
صوم شهر رمضان واجبٌ على كل مسلمٍ ومسلمةٍ، وهو أحد أركان الإسلام ومبانيه
العظام. قال الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ))[البقرة:183] .
ومعنى {كُتب} : فُرِضَ .
فإذا بلغت الفتاة سنَّ التَّكليف بظهور إحدى أمارات البلوغ عليها ومنها الحيض، فإنَّه يبدأ وجوب الصَّوم في حقها .
وقد تحيض وهي في سنِّ التاسعة، وقد تجهل بعض الفتيات أنَّه يجب عليها الصِّيام حينذاك فلا تصوم ظناً منها أنَّها صغيرةٌ .
ولا يأمرها أهلها بالصِّيام، وهذا تفريطٌ عظيمٌ بترك ركنٍ من أركان الإسلام .
ومن حصل منها ذلك وجب عليها قضاء الصوم الذي تركته في حين بداية الحيض بها ولو مضى على ذلك فترةٌ طويلةٌ؛ لأنه باقٍ في ذمتها.
* من يجب عليه رمضان؟
إذا دخل شهر رمضان وجب على كل مسلمٍ ومسلمةٍ بالغين صحيحين مقيمين صيامه،
ومن كان منهما مريضاً أو مسافراً في أثناء الشهر فإنه يفطر ويقضي عدد ما
أفطره من أيام أُخر.
قال الله تعالى : ((فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ))[البقرة:184].
كما أنَّ من أدركه الشهر وهو كبيرٌ هرمٌ لا يستطيع الصيام أو مريضٌ مرضاً
مزمناً لا يُرجى ارتفاعه عنه في وقتٍ من الأوقات من رجلٍ أو امرأة فإنه
يفطر ويطعم عن كل يومٍ مسكيناً نصف صاع من قوت البلد.
قال الله تعالى: ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ))[البقرة:184] .
قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : "هي للكبير الذي لا يُرجى برؤه" . رواه البخاري .
والمريض الذي لا يُرجى برؤ مرضه في حكم الكبير ولا قضاء عليه لعدم إمكانه.
وتختصُّ المرأة بأعذار تُبيحُ لها الإفطار في رمضان على أن تقضي ما أفطرته بسبب تلك الأعذار من أيامٍ أخر.
وهذه الأعذار هي :
1ـ الحيض والنفاس :
يحرم على المرأة الصوم أثناءهما ويجب عليها القضاء من أيامٍ أخر؛ لما في
الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كُنا نُؤمَرُ بقضاء الصوم ولا
نؤمر بقضاء الصلاة ) وذلك لما سألتها امرأةٌ فقالت: ما بال الحائض تقضي
الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فبيَّنت رضي الله عنها أن هذا من الأمور التوقيفية
التي يُتبع فيها النصُّ .
ـ حكمة ذلك:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (25/251) : "والدم الذي
يخرج بالحيض فيه خروج الدم. والحائض يمكنها أن تصوم في غير أوقات الدم
الذي يخرج بالحيض فيه دمها. فكان صومها في تلك الحال صوماً معتدلاً لا
يخرج فيه الدم الذي يقوي البدن الذي هو مادته. وصومها في الحيض يوجب أن
يخرج فيه دمها الذي هو مادتها ويوجب نقصان بدنها وضعفها وخروج صومها عن
الاعتدال، فأُمِرَت أن تصوم في غير أوقاتِ الحيض" . انتهى .
2ـ الحمل والإرضاع اللذان يحصل بالصيام فيهما ضررٌ على المرأة أو على طفلها أو عليهما معاً فإنها تُفطر في حال حملها وإرضاعها.
ثم إن كان الضرر الذي أفطرت من أجله يحصل على الطفل فقط دونها فإنها تقضي ما أفطرته وتطعم كُل يومٍ مسكيناً .
وإن كان الضرر عليها فإنه يكفي منها القضاء.
وذلك لدخول الحامل والمرضع في عموم قوله تعالى : ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ))[البقرة:184].
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في "تفسيره" (1/379) : "ومما يلتحق بهذا
المعنى الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما" . انتهى .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن كانت الحامل تخاف على جنينها
فإنها تفطر وتقضي عن كل يوم يوماً وتطعم عن كل يوم مسكيناً رطلاً من
خبزٍ". انتهى (25/318).
* تنبيهات :
1ـ المستحاضة: وهي التي يأتيها دمٌ لا يصل أن يكون حيضاً ـ كما سبق ـ يجب عليها الصيام ولا يجوز لها الإفطار من أجل الاستحاضة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لما ذكر إفطار الحائض قال : "بخلاف
الاستحاضة فإن الاستحاضة تعمُّ أوقات الزمان وليس لها وقتٌ تُؤمَرُ فيه
بالصوم وكان ذلك لا يمكن الاحتراز منه كذرع القيء وخروج الدم بالجراح
والدمامل والاحتلام.. ونحو ذلك مما ليس له وقتٌ محددٌ يمكن الاحتراز منه
فلم يجعل هذا منافياً للصوم كدم الحيض"انتهى (25/251)
2ـ يجب على الحائض وعلى الحامل والمرضع إذا أفطرتا قضاء ما أفطرنه فيما
بين رمضان الذي أفطرن منه ورمضان القادم. والمبادرة أفضل وإذا لم يبق على
رمضان القادم إلا قدر الأيام التي أفطرنها فيجب عليهن صيام القضاء حتى لا
يدخل عليهم رمضان الجديد وعليهنَّ صيامٌ من رمضان الذي قبله .
فإن لم يفعلن ودخل عليهنَّ رمضان وعليهنَّ صيامٌ من رمضان الذي قبله وليس
لهنَّ عذرٌ في تأخيره وجب عليهنَّ مع القضاء: إطعامُ مسكينٍ عن كُلِّ
يومٍ. وإن كان لعذرٍ فليس عليهنَّ إلا القضاء، وكذلك من كان عليها قضاءٌ
بسبب الإفطار لمرضٍ أو سفرٍ حكمها كحكم من أطفرت لحيضٍ على التفصيل السابق
.
3ـ لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوُّعاً إذا كان زوجها حاضراً إلا بإذنه.
لما روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه ).
وفي بعض الروايات عن أحمد وأبي داود : ( إلا رمضان ) .
أما إذا سمح لها زوجها بالصيام تطوعاً أو لم يكن حاضراً عندها أو لم يكن
لها زوجٌ فإنها يُستحبُ لها أن تصوم تطوعاً، خصوصاً الأيام التي يستحب
صيامها كيوم الاثنين ويوم الخميس وثلاثة أيامٍ من كل شهرٍ وستة أيام من
شوال وعشر ذي الحجة ويوم عرفة ويوم عاشوراء مع يوم قبله أو يوم بعده. إلا
أنه لا ينبغي لها أن تصوم تطوعاً وعليها قضاءٌ من رمضان حتى تصوم القضاء .
والله أعلم .
4ـ إذا طهرت الحائض في أثناء النهار من رمضان؛ فإنها تمسك بقية يومها وتقضيه مع الأيام التي أفطرتها بالحيض .
وإمساكها بقية اليوم الذي طهرت فيه يجب عليها احتراماً للوقت.
من كتاب: أحكام تخص المؤمنات للعلامة الفوزان.
نفلته للافاده
مع تحياتى نغمه تائهه